تقديم الحركة النسوية | سوزان ألس، مريزا رويدا ،و مارتا رودريجوز

تقديم الحركة النسوية 

تأليف: سوزان ألس، مريزا رويدا ،و مارتا رودريجوز 
تلخيص: محمد فتاح السامعي. 
تنسيق: محمد طاهر الهمداني

يعتبر كتاب تقديم الحركة النسوية (Introducing Feminism) من الكتب القليلة التي تم ترجمتها للعربية عن تاريخ حركة النسوية وهو ايضا من الكتب القليلة التي تم تأليفها بالإنجليزية على هذا الموضوع ،وهو كتاب صوري وتلخيص سهل وسلس للتطورات التاريخية للحركة النسوية منذ الثورة الفرنسية وما مرت به هذه الحركة من انتصارات وانكسارات، وأهم القضايا التي شغلت الحركة النسوية ولا زالت تشغلها اهتمامها حتى الآن، والكتاب يتحدث خصوصا عن الحركة النسوية في أوروبا وامريكا ما عدا تعريج بسيط ومقتضب على الحركات النسوية في بقية العالم .

عموما الكتاب من النوع السهل ويعطي نبذة تاريخية عن تطور الحركة،وأهم قضاياها. 

المقدمة 

يبدأ الكتاب بتعريف الحركة النسوية باعتبارها قيام النساء بتنظيم أنفسهن تنظيم فعال لتحقيق حقوقهن الكاملة كبشر، ومنها التمرد على كل بنى القوى وقوانينها واعرافها التي تجعل من النساء خادمات، وخاضعات وفي المرتبة الثانية، وتحدي تقسيم العمل في العالم الذي يعطي المجال العام للرجل والمجال الخاص للمرأة. 

ورغم أن التاريخ يمدنا بعدة أمثله فردية على النساء اللاتي امتلكن القوة والشجاعة والموهبة الغير عادية كأمبراطورات وملكات شهيرات، لكنهن استثناءات فردية ولم يؤثرن في تحسين حالة الأغلبية من النساء، وفي العصر الإقطاعي حتى القرن الثامن عشر كان المجتمع الأوروبي مقسم إلى طبقات من الملوك والنبلاء والفلاحين وفي الغالب كان الرجال والنساء من الفلاحيين يعملون معا بالقرب من المنزل وفي الحقل ،ولكن لاحقا  مع انتشار الصناعات المعتمدة على الآلات بدأ فصل عمل الرجل عن المرأة وبدأت فكرة ان الرجل كاسب العيش والمرأة ربة البيت التابعة اقتصاديا. 

ما ان جاء عصر التنوير،وبدأ فلاسفة التنوير في تحدي طغيان المجتمعات الإقطاعية، بدأت النساء على غرارهم يطالبن بحقوقهن الا أن رأي هؤلاء الفلاسفة عن حقوق المرأة كان سيئا وأشهرهم روسو الذي كتب ع ان دور المرأة يتمحور حول إسعاد الرجل .

ماري وولتسكرانت ,الفيلسوف الأول للحركة النسوية 

بعد اندلاع الثورة الفرنسية وفي العام 1792 قامت ماري -وهي إنجليزية-  بتأليف كتاب " دفاع عن حقوق المرأة" مستلهمة بذلك أفكار عصر التنوير لأول مرة على النساء ومتأثرة بكتاب صديقها توم بين "حقوق الإنسان " ،وكتابها أصبح حجر الأساس للحركة النسوية الحديثة، فقد أشارت فيه ان العائق الأساسي الذي منع النساء من التحرك لتحقيق المساواة هو الطغيان المنزلي، وانتقدت تقسيم العمل،ودعت للحقوق المتساوية في التعليم والحياة المدنية والسياسية، وأن يكون للنساء ممثلات سياسيات ،أما هي على المستوى الشخصي بعد هذه الحياة النضالية الزاخرة، ذهبت إلى باريس لترى الثورة الفرنسية بنفسها، وهناك وقعت في غرام قائد عسكري امريكي سابق،يعيش حياة تجارية مشبوهة، هجرها وفي بطنها جنين، وحاولت الانتحار مرارا ،ثم شفيت من غرامه وتعلقت بالفيلسوف الفوضوي وليام جودون ووضعت بنتا اسمتها ماري ايضا التي كبرت وتزوجت الشاعر برسي شلي وكتبت واحدة من اعظم روايات الخيال العلمي " فرانكشتاين "

استمرت نضالات النساء خلال الثورة الفرنسية، ففي عام 1789  حينما كان رجال الجمعية التأسيسية منشغلين حول الدستور الفرنسي الجديد،كانت النساء اللامترولات الغسالات والخادمات والعاملات وزوجات العمال ينظمن مظاهرة حتى تاون هاول في باريس يطالبن بتخفيض سعر الخبز .

وقد انقسمت الحركة النسوية حينها كما انقسم الثوار، بين النساء اليعاقبة، الثوار الريدكاليين الذين يريدون الإطاحة بالملكية والجيروند المعتدلين الذين يريدون ملكية دستورية ،وفي عام 1791 ,نشرت اوليمب دي جورج كتابها " إعلان حقوق النساء " ردا على إعلان  الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان ،منادية يا نساء العالم استيقظن. 

-الحركة النسوية في الولايات المتحدة الأمريكية 

في الولايات المتحده كانت الحركة المناهضة للعبودية هي التي أعطت النساء سوداوات أو بيضاوات الفرصة في تنظيم أنفسهن سياسيا ضد قمعهن ،فقد جازفت نساء سوداوات بحايتهن على السكة الحديدية تحت الأرض هربا من العبودية، وكانت احداهن هاريت تبمان التي استطاعت تحرير اكثر من 300 عبد ،وفي عام 1833 انشأت سارة ماب دوجلاس الجمعية النسائية المناهضة للعبودية، ومن هذه المنصة استمد الرواد البيض لحركة حقوق النساء الامريكيات الهامهم ومبادئهم السياسية. وفي العام 1848 وقع أول مؤتمر لحقوق المرأة في كنيسة صغيرة جمع حوالي 100 رجل وامرأة كانت اليزابيث كادي اهم متحدثة فيه طالبت وقتها بحق المرأة في الانتخاب حتى ان الكثير من مناصري المرأة وقتها عارضوها واعتبروا ذلك شططا منها،ثم توحدت مع سوزان انتوني ثم لحقتهن لوسي ستون ليشكلن قوة نضالية وعمل شاق كان له الدور الأكبر في حركة حقوق المرأة في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر. وحصل الانشقاق حول التعديل الخامس عشر في القانون الذي أعطى الذكور السود حق الانتخاب فقد ايدته لوسي، وعارضته وسوزان واليزابيث ع اساس انه أنكر حق النساء في الانتخابات،وبدأن في شن الحملات على انفراد،  وبعد اربعين عاما اي عام 1890 توحدت المنظمتان مجددا لتشكيل المنظمة القومية الأمريكية لحق المرأة في التصويت وكانت اليس ابنة لوسي هي الروح المحركة للمنظمة الجديدة .

حركة النساء البريطانيات 

تشكل جيلان للحركة النسوية في بريطانيا، الجيل الأول سيدات لانجهام بليس ففي عام 1856 ,شكلت باريرا لي سميث،وبسي باركس لجنة لجمع الالتماسات لمشروع قانون ملكية المرأة المتزوجة، وبعد عامين انشأن جريدة المرأة الإنجليزية لمناقشة قضية تعليم المرأة وحقوقها وعملها وحق التصويت، وفي عام 1889 اسسن جمعية توظيف المرأة .

أما الجيل الثاني فكان في السبعينات والثمانينات من القرن التاسع عشر تم التركيز على الفجوة العميقة بين الزوجة ذات الفضيلة الطاهرة اللائقة بالسيدة المهذبة وبين العاهرة المنبوذة اجتماعيا، وتم اعتبار أن لا فرق بينهن سوى الفرق الاقتصادي الذي جعل الزوجات والعاهرات متاحات جنسيا للرجال على اساس مختلف ظاهريا،وكانت جوزفين بتلر رائدة الحركة النسوية وقتها شنت حملات قوية ضد قانون الأمراض المعدية الذي سنته الحكومة البريطانية وينص هذا القانون على أن أي امرأة من الطبقة العاملة يتم تحديدها على أنها عاهرة في مناطق الثكنات العسكرية والموانئ يمكن أجبارها على الخضوع للفحص الطبي من قبل أطباء الجيش والبحرية.

وقد شهدت سبعينات وثمانينات القرن التاسع عشر ايضا في أمريكا صعود الحركة النسوية ذات النقاء الإجتماعي التي تعتمد على المبادئ الانجيلية التي تقول إن الكحوليات والعنف والافراط الجنسي شرور ذكورية تهدد النساء داخل الأسرة، والاعتقاد ان النساء أسمى اخلاقيا وأكثر نقاءا ويحتجن الجنس أقل او لا يحتجنه مطلقا، بخلاف الرجال الذين تتحكم فيهم شهواتهم،وقد قامت بعض المناضلات بالعمل المباشر فقد قامت كاري نيشن بترك زوجها بسبب سكره ووحشيته. 

استغرق الأمر ثلاثة أجيال من النضال لاجل حصول المرأة البريطانية الحق في التصويت حتى عام 1918 بعد الحرب العالمية الأولى حين حصلت النساء فوق الثلاثين من العمر الحق في التصويت. 

الحركة النسوية الإشتراكية 

كانت أعداد متزايدة من النساء تنظم للحركات الإشتراكية الجديدة وكانت فلورا ترستان من النسويات الاشتراكيات الأوائل، وألفت كتابها الأشهر "إتحاد العمال " في عام 1843 يحتوي على خطة لتحرير الذات في العمل وصفت بأنها خطة اشتراكية يوتوبية لارتباطاتها بافكار المجتمعات المثالية للعمال التي تصورها الاشتراكيين الرواد أمثال روبرت اوون وفرانسوا فوريه ،وقد استأنفت جماعة من أنصار الحركة النسوية الإشتراكية أفكار فلورا في باريس اثناء ثورة 1848.

كان فريدريك انجلز مساندا مخلصا لحقوق المرأة وتصويتها في الانتخابات، وهو اشتراكي ثوري ،تم استخدام في كتابه " أصول العائلة والملكية الشخصية والدولة "1884 ،الأدلة التاريخية والاثنوجرافية ليوضح ان الوضع الاجتماعي للمرأة لم يكن متدنيا على الدوام ،وقد أرجع ان تبعية المرأة للرجل يعود إلى أصول الملكية الخاصة في العصور القديمة، فمنذ حوالي  5000 سنة قبل الميلاد، تطورت الحضارات القائمة على الزراعة في الأراضي الخصبة لنهر النيل ودجلة والفرات ونهر السند ونهر مكونج وبدأ البشر في إنتاج كميات أكبر مما تحتاجه القبيلة لتعيش وتتكاثر، ويمكن لفائض الطعام الآن ان يميل اقلية من الحكام الذين لا يعملون لاستعباد الكثير من العبيد لإنتاج المزيد من الثروة ،وكان يتم بيع النساء ومقايضتهن مقابل سلع نفسية، ومعاهدات وصفقات تجارية وأصبحت الزيجات وسيلة لعقد التحالفات بين النخب التجارية. 

سرعان ما تبنى الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني أفكار انجلز، وأصدر اوجست بيل زعيم الحزب كتاب " المرأة في ظل الإشتراكية " عام 1883.

أما في روسيا فقد كانت الرفيقة الكسندرا كولنتاي منظمة للجماعة الماركسية التي تساند اضراب العمال عام 1896 ,ثم هربت إلى اوروبا وأمريكا وصارعت بجنون للحيلولة دون اندلاع الحرب العالمية الأولى، وانظمت لحزب لينين البلشفي المعارض للحرب وقتها، وعادت أثناء قيام الثورة البلشفية ،وادخلها لينين حكومته كوزيرة للرفاهية الإجتماعية.،ووضعت صراعات المرأة من أجل الحرية في قلب الثورة الإشتراكية،ولم يستمر هذا الوضع الجيد حتى بدأ رد الفعل الاستيليني المعادي في الثلاثينات ،وانتهت الآمال الكبيرة في عهد ستالين ،وأصبح تدعيم الأسرة مهمة رسمية، ورفض حرية الحب ،وتم ادخال نظام المجد الامومي،وتجريم المثلية الجنسية. 

كانت العشرينات من القرن العشرين هي مرحلة صخب الحركة النسوية، فقد حصلت معظم النساء في اوروبا وامريكا الشمالية على الحق في التعليم والتصويت والعمل ،وانتهت مرحلة العشرينات بانهيار اقتصادي على مستوى العالم وتحول الحكم للاحزاب الفاشية في أوروبا واليابان، واستمر الكساد الكبير ،وقلت الوظائف وشب نزاع مرير وكان هناك استياء ان المرأة تسرق عمل الرجل. 

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ذهب الرجال إلى جبهات الحرب، وذهبت 7 ملايين امرأة للعمل لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وشغلت النساء وظائف لا يستطعن ان يقمن بها،وفي نهاية الحرب وفي الخمسينات عاد عزل النساء من الوظائف اقوى، وكان يتم غسل مخ النساء عن طريق الإعلانات والأفلام،وعلم النفس حتى يبقين في منازلهن كربات بيوت. 

كانت سيمون دي بوفوار، الصوت النسوي الوحيد في خمسينات القرن العشرين، واعتبر كتابها "الجنس الآخر " موسوعيا يشمل التاريخ والاحياء والتحليل النفسي والماركسية والادب وهو كتاب ساخر وذكي، كان يشكل الممهد لقنبلة جديدة من النساء المتمردات ستنفجر. 

وهو ما حدث بالفعل ،فتوسعت دائرة الحركة النسوية، فمن تأسيس المنظمة القومية للمرأة، إلى ظهور المرأة اليسارية الجديدة، إلى الاحتجاج على فكرة ملكة جمال امريكا في الستينات،إلى تحرير النساء السوداوات ،ثم أخيرا الى تحرير السحاقيات .

تنوعت الاتجاهات للحركة النسوية، فهناك النسائيات الراديكاليات اللاتي يرين المشكلة تتمثل بالسلطة الابوية، وهناك النسائيات الاجتماعيات اللاتي يرين المشكلة خليط من هيمنة الرجال والاستغلال الطبقي ويتحالفن مع الجماعات والطبقات المقموعة ، ثم النسائيات الليبراليات يركزن على الضغط على الحكومات لإجراء إصلاحات في صالح المرأة .

ثم تعددت اهتمامات الحركة النسوية ،من حركة أمهات بلازا دي مايو الباحثات عن المخفيين والمختطفين، إلى حركة جرينهام كومون للسلام .

ورغم انتخاب اول رئيسة وزراء لبريطانيا مارجريت تاتشر، إلا رد الفعل المحافظ المعادي للحركة النسوية بدأ بداية جديدة ،فقد كانت مرحلة تاتشر في بريطانيا واقتصاديات ريجان في الولايات المتحدة انكسارا للحركة النسوية في الثمانينات، فقد تم تخفيض او الغاء كل الخدمات العامة التي تعتمد عليها المرأة .

ثم استمرت الحركة بطرق قضايا مختلفة مثل الإباحية حيث دعت مجموعة من الحركة إلى تحريم الصناعة الاباحية، والبعض دعت إلى دعم الإباحة الإيجابية التي تظهر سيطرة المرأة على الرجل، وكذلك قضية رعاية الأطفال وأدوار الجنسين، والعنف المنزلي وضبط النسل، وعمليات التجميل، والاجهاض، والحرية في ممارسة الجنس بصورة مستقلة عن الرجال.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فن الحرب | سون تزو

فن العيش الحكيم | شوبنهاور

الإنسان والبحث عن المعنى | فيكتور فرانكل