الإنسان والبحث عن المعنى | فيكتور فرانكل

الإنسان والبحث عن المعنى 

لطبيب النفس النمساوي فيكتور فرانكل 
عرض : محمد فتاح السامعي 
تنسيق: محمد طاهر الهمداني

هذا الكتاب من الكتب المهمة في علم النفس والعلاج النفسي وفيه خلاصة نظرية العلاج بالمعنى للطبيب فيكتور فرانكل الذي يعتبر رائد المدرسة النمساوية الثالثة في العلاج النفسي بعد فرويد صاحب المدرسة الأولى، وأدلر صاحب المدرسة الثانية، وفكرتها الرئيسية أن الإنسان إذا وجد في حياته معنى أو هدفا فمعنى ذلك أن وجوده له اهميته وله مغزاه وأن حياته تستحق أن تعاش ،وبهذا المعنى او الهدف يستطيع تجاوز الالالم والمعاناة، وهو كتاب مفيد لكل من يعاني من القلق الوجودي، والمعاناة الحياتية وكذلك لكل من حياته معرضة لخطر المعتقلات أو خرج منها وما أكثرها في بلدنا، لأن المؤلف بنى نظريته وألف كتابه بناءا على خبرته الشخصية التي عاشها في معتقلات النازية وظروف حياته وحياة المسجونين النفسية. 

الجزء الأول 

يبدأ الكاتب في الجزء الأول بسرد خبراته الشخصية في معسكر الإعتقال وفيه يجيب على السؤال كيف كانت الحياة اليومية في معسكر الاعتقال تنعكس في عقل السجين؟

وتبدأ اول ألاطوار الثلاثة لردود الأفعال العقلية للسجين بالصدمة وهي الفترة التي تعقب ادخاله المعسكر مباشرة والطور الثاني هي الفترة يكون قد اندمج تماما في نظام المعسكر، أما الطور الثالث هي التي تعقب إطلاق سراحه وتحرره. 

يقوم الكاتب بشرح تفاصيل إدخاله للمعسكر مع بقية المسجونين وشرح الآثار النفسية التي تنشأ خلال حياة المعسكر ومنها وهم الإبراء الذي يتملك الشخص المدان فورا قبل تنفيذ حكم الإعدام عليه وهو شعور غامض بانه سوف يجري إنقاذه من الإعدام في اللحظة الأخيرة، والوجود المتعري اي احساس السجين أنه لا شيء لديه عدا جسمه العاري، ثم الاحساس الغريب بالمرح وهو مرح السخرية ،إلى فكرة الانتحار والاحساس بالعدم ،ثم البلادة والموت الانفعالي كتعبير عن الطور الثاني لردود الفعل العقلية .

ثم يذهب إلى شرح بعض الالام النفسية والاهانة  التي يتعرض لها المعتقلين وكيف أصبحت البلادة هي الميكانيزم للدفاع عن الذات بعد أن أصبح الواقع مظلما وكل الجهود وكل الانفعالات تتمحور حول مهمة واحدة هي الحفاظ على الحياة، ثم اختفاء الدافع الجنسي والسبات الثقافي ونمو الجانب الديني والروحي عند بعض المسجونين.الى اكتشاف حقيقة ان خلاص الإنسان هو من خلال الحب وفي الحب وهو يسرد بذلك استحواذ فكرة الحب عليه في المعتقل كما ينادي بها الشعراء والمفكرين على أنها الحكمة النهائية والهدف الغائي والاسمى الذي يمكن أن يطمح الإنسان اليه، وكيف كانت صورة زوجته لا زالت متعلقة بعقله رغم انه لا يعرف انها لا زالت على قيد الحياة او لا، وان الحب يذهب الى ما هو ابعد من الشخص البدني للمحبوب إلى الوجود الروحي له.

ثم يشير إلى فكرة الهروب إلى الماضي التي يتخذها السجين ملاذا للهرب من الفراغ والدمار والفقر الروحي لوجوده،وكذلك تنمية روح المرح.

ثم يؤكد الكاتب ان استيلاء فكرة الحفاظ على الحياة على عقل السجين تجعله يضحي بكل شيء من أجل هذه الغاية ويعيش حالة عقلية مضطربة تهدد كل القيم التي يتمسك بها ،فتحت تأثير هذا الوضع الذي لم يعد يعترف بقيمة الحياة والكرامة  الإنسانية الذي قد سلب من الإنسان الإرادة وجعله عرضة للابادة ،تعاني الأنا عند الشخص من فقدان القيم ،واذا لم يكافح الإنسان في معسكر الاعتقال ضد ذلك حتى آخر جهد لديه لكي ينقذ احترامه لنفسه، فإنه يفقد الشعور بكونه فردا ولديه عقل وله إرادة داخليه وقيمة شخصية. 

يختتم الكاتب هذا الجزء ببعض الدروس المهمة من تجربته الشخصية منها :

الحرية والاختيار: يتساءل الكاتب هل صحيح تلك النظرية التي تجعلنا نعتقد ان الإنسان لا يعدو أن يكون نتاج عوامل بيئية وظروف كثيرة وهي ذات طبيعة بيلوجية ونفسية واجتماعية ؟ وهل الإنسان الناتج العرضي لهذه العوامل ولا شيء غير هذا؟ ثم يجيب من وحي الخبرة ،تبين خبرات المعسكر ان الإنسان يستيطع ان يكون له اختياره لافعاله وهناك أمثله كثيرة وحتى ذات طبيعة بطولية، تثبت ان البلادة يمكن التغلب عليها، وان التهيج يمكن قمعه، فالانسان بمقدوره ان يحتفظ ببقية من الحرية الروحية ومن استقلال العقل حتى في تلك الظروف المريعة من الضغط النفسي والمادي. 

العظمة الداخلية: إن الطريقة التي يتقبل بها الإنسان قدره ويتقبل بها كل ما يحمله من معاناة والطريقة التي يواجه بها محنه،كل هذا يهيء له فرص عظيمة حتى في احلك الظروف لكي يظيف الى حياته معنى أعمق. 

الأفكار الراجعة الى الزمن الماضي: رغم أن السجين يستخدم الماضي لكي يجعل الحاضر المرعب اقل واقعية، إلى أن هناك خطورة من تجريد الحاضر من واقعيته ،لأن العيش في الماضي تجعل الاشخاص مغمضي اعينهم وحياتهم فارغة بلا معنى. 

التطلع إلى المستقبل: السجين الذي يكون قد فقد ثقته بمستقبله وفي المستقبل عامة يكون قد حكم على نفسه بالفناء ،يفقد تماسكه المعنوي وبذلك يصبح عرضة للانهيار العقلي والجسمي، لذا فإن أي محاولة يستخدمها الشخص لكي يتسرد قوته الداخلية في المعسكر ينبغي أن تنجح أولا في ان تجعله يبصر لنفسه هدفا مستقبليا وكما يقول نيتشه "من يمتلك سببا يعيش لأجله فإنه يستيطع غالبا أن يتحمل بأي طريقة وبأي حال" 

الجزء الثاني:المبادئ الأساسية للعلاج بالمعنى 

يبدأ الكاتب في هذا الجزء الإيضاح ان العلاج بالمعنى مقارنة بالتحليل النفسي طريقة أقل استرجاعية واقل استنباطية، فالعلاج بالمعنى يركز أكثر على المستقبل ،أي أن يركز على التعيينات والمعاني التي ينبغي أن يضطلع بها المريض في مستقبله ،ففي العلاج بالمعنى يواجه المريض فعلا بمعنى حياته، كما يعاد توجيهه وتوجهه نحو معنى هذه الحياة، ولأن الشخص العصابي يحاول الهرب من الوعي الكامل بمهامه في الحياة فالعلاج ان نجعله واعيا بهذه المهام وأن نوقظ فيه الوعي الأكمل بها، فإن هذا يسهم في تعضيد قدرته على التغلب على عصابه. ولأن المعنى هو القوة الدافعية الأولية في الإنسان يتضح لماذا أتكلم عن إرادة المعنى خلافا لمبدأ اللذة الذي تمركز حوله التحليل النفسي الفرويدي، وخلافا لمبدا لإرادة القوة الذي أهتم به عالم النفس ادلر. 

إرادة المعنى: سعي الإنسان إلى البحث عن معنى  هو قوة أولية في حياته وليس تبريرا ثانويا لحوافزه الغريزية، يزعم بعض علماء النفس ان المعاني والقيم ليست الا ميكانيزمات دفاعية وتكوينات ردود أفعال واعلاءات، ولكني من وجهة نظري فالإنسان قادر على أن يحيا وان يموت في سبيل مثله وقيمه وطموحاته لذلك ليست مجرد ميكانيزمات اندفاعية. 

ومن الطبيعي أن توجد بعض الحالات التي يكون فيها اهتمام الفرد بالقيم في الواقع عبارة عن تمويه للصراعات الداخلية المستترة، وعلينا أن تنتاولها في هذه الحالة كقيم كاذبة وخير مثال على ذلك هو الشخص المتعصب، ورغم ذلك علينا أن نحتاط من النزعة إلى تناول القيم في ضوء مجرد تعبير الشخص عن ذاته، ثم يقول الكاتب ينبغي أن يكون واضحا تماما ان لا يمكن ان يوجد شيء في الإنسان يمكن ان نسميه الحافز المعنوي او الحافز الديني بنفس الطريقة التي نتكلم بها عن الغرائز الأساسية كمحددات حتمية للانسان، فالانسان لا يساق إلى السلوك الأخلاقي المعنوي ،لكنه في كل حالة يتخذ قرارا نحو السلوك الاخلاقي، أي انه لا يسلك بطريقة أخلاقية ليكون له ضمير سليم ،بل من أجل سبب يوطن نفسه عليه ،أو من أجل الهه الذي يعبده، أو شخص يحبه، والواقع اذا كان يفعل ذلك من أجل الضمير السليم فهو سيصبح شخصا مرائيا ويمتنع عليه ان يكون شخصا اخلاقيا بحق. 

ثم يذهب الكاتب للحديث عن الإحباط الوجودي والعصاب المعنوي المنشأ الذي لا يعتبر ان يتولد بسبب الصراع بين الحوافز والغرائز بل يتولد بسبب الصراعات بين القيم المختلفة، لذا العلاج بالمعنى يجرؤ على الدخول الى البعد المعنوي الروحي من الوجود الإنساني،وهو مساعدة المريض أن يجد معنى في حياته. 

ويفسر  الكاتب ظاهرة الفراغ الوجودي الى حالة فقدان ذي شقين، الشق الأول في بداية التاريخ الإنساني فقد الإنسان بعض الغرائز الحيوانية الأساسية مما يستشعر الحيوان بواسطته الأمن والطمأنينة وصار على الإنسان أن يأتي باختيارات ،والشق الثاني فيما يجري الآن من سرعة كبيرة من تناقص في الإعتماد على التقاليد التي تدعم سلوكه ،فليس هناك من غريزة ترشده الى ما يجب عمله،ويكشف هذا الفراغ الوجودي عن نفسه في حالة الملل. 

ثم يقدم الكاتب تفسيرات لأهمية معنى الحياة وجوهر الوجود ومعنى الحب في نظرية العلاج بالمعنى، وكذلك  معنى المعاناة ،ويسرد بعض المشاكل الكلينكية الكبرى التي صادفها كطبيب نفسي كالمعنى الغائي وزوال الحياة ،ويختم هذا الجزء بالحديث عن اسلوب العلاج بالمعنى، وينقد الحتمية الشمولية ،ويدعو إلى إعادة انسنة الطب النفسي. 

الجزء الثالث: التسامي بالذات 

يذهب الكاتب في هذا الفصل إلى شرح فلسفي لفكرة الوجود الانساني، فيقول يتميز الوجود الإنساني بظاهرتين الأولى مقدرة الإنسان على التحرر الذاتي ،والثانية مقدرة الإنسان على التسامي بالذات، أو تجاوز الذات، ويؤكد أن تحقيق الذات ليس هو الغاية القصوى عند الإنسان ولا حتى مقصده الأول، ذلك أن تحقيق الذات اذا صار غاية في حد ذاته فإنه يتعارض مع خاصية التسامي بالذات، وأن تحقيق الذات ليس سوى اثرا لتسامي الذات ويجب أن يبقى كذلك ،ذلك لأن الإنسان لا يحقق ذاته الا بمقدار تحقيقه لمعنى في هذا العالم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فن الحرب | سون تزو

فن العيش الحكيم | شوبنهاور