الدولة المستحيلة ،الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي | وائل حلاق

الدولة المستحيلة،الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي 

للدكتور وائل حلاق
عرض : محمد فتاح السامعي 
تنسيق: محمد طاهر الهمداني

هذا الكتاب من أهم الكتب الفكرية للباحث الكندي من أصول فلسطينية وائل حلاق، وهو مسيحي الديانة ،متخصص بالقانون وتاريخ الفكر الإسلامي، يعتبر الفقه الإسلامي منظومة معرفية متكاملة، وفي هذا الكتاب يقدم اطروحة مفادها أن مفهوم الدولة الإسلامية مستحيل التحقق وينطوي على تناقض داخلي بحسب اي تعريف سائد للدولة الحديثة،ويشير أنه لم تكن هناك دولة إسلامية(حسب المفهوم الحديث للدولة) بل يسميه حكم إسلامي قائم على قانون الإسلام الأخلاقي المعروف بإسم الشريعة الذي نجح في التفاعل مع  القانون المتعارف عليه والأعراف السائدة وكان نموذجيا في تنظيم شؤون الدولة والمجتمع ،لكن مع بداية القرن التاسع عشر تفكك هذا النظام الذي كانت تمثله الشريعة وفقدت استقلالها كفاعل إجتماعي لمصلحة الدولة الحديثة ،وفي فصول الكتاب يحاول إثبات اطروحته بسرد المقارنات بين أسس الدولة الحديثة التي تتناقض كليا مع أسس الحكم الإسلامي، ويؤكد ان استحالة فكرة الحكم الإسلامي في العصر الحديث ناتج عن غياب بيئة أخلاقية مواتية بسبب مشكلات الحداثة الاخلاقية،  سأحاول في هذا التلخيص عرض المعالم الرئيسية التي شرحها لتدعيم اطروحته رغم أن الكتاب من النوع الفلسفي الذي يصعب على القارئ فهم الأفكار التي يريد إيصالها الكاتب بسهولة. 

يبدأ الكاتب مقدمته على التأكيد ان المسلم العادي لا زال يعتقد أن الشريعة فيها ينبوعا روحيا وصلة مع الله وترويضا للنفس، ومصدرا للسلطة الدينية والأخلاقية، رغم أن الأنظمة الإسلامية اتبعت سياسة انتقاء بعض العقوبات من الشريعة كبتر الأعضاء والرجم، متجاهلة قواعدها الإجرائية وسياقها المجتمعي بطريقة صارخة، ورغم وجود هذه الرغبة بالشريعة لدى عموم المسلمين، إلا انهم قد قبلوا بما فيهم كبار مفكريهم بالدولة الحديثة كأمر مفروغ منه وحقيقة طبيعية ،بل ذهب بعضهم للقول إن هذه الدولة الحديثة قد ساندها القرآن نفسه، فالقومية احد أسس الدولة الحديثة يعتبروها قد دشنت بالدستور الاسلامي "دستور المدينة" ،ومفاهيم المواطنة والديمقراطية وحق الاقتراع من مفاهيم المجتمعات الإسلامية الباكرة، وبخلاف بعض منظري العولمة وعلماء السياسة الذين يشككون في مقدرة الدولة الحديثة على الإستمرار في المستقبل ،فإن المفكرين والعلماء المسلمين يقبلون الدولة كأمر مفروغ منه، وظاهرة تصلح لكل زمان. 

ويواجه مسلمو اليوم تحدي التوفيق بين حقيقيتين،الأولى هي الوجود الحقيقي للدولة وحضورها القوي، والثانية ضرورة استعادة شكل من حكم الشريعة وخير شاهد على ذلك المعارك الدستورية للاسلاميين في مصر وباكستان وفشل الثورة الإيرانية كمشروع سياسي وقانوني إسلامي ،كل هذا الفشل يعزى إلى محاولة التوفيق بين الشريعة والدولة الحديثة الذي يستحيل حدوثه حسب اطروحة الكتاب. 

يتألف الكتاب من سبعة فصول، الفصل الأول والثاني يشرح ما يسمى "حكما إسلاميا نموذجيا " ودولة حديثة نموذجية "  والصفات الجوهرية والخصائص لكل واحدة منهما على حدة،وفي الفصل الثالث يناقش مفاهيم الإرادة السيادية، وحكم القانون فيما يخص مبدأ الفصل بين السلطات لتحديد الخلفيات والحدود الدستورية لكلا النظامين(الحكم الاسلامي والدولة الحديثة ) والخلافات بينهما.

فمثلا يمثل مفهوم "النطاق المركزي" نقطة أساسية في فهم كل نموذج، فالنطاق المركزي للقرن التاسع عشر كان التقدم التقني ،الذي أصبح أشبه بالديانة، وسيحل كل المشكلات الأخرى، أما النطاق المركزي في عصر الدين التقليدي كان التنشئة الأخلاقية والتعليم الأخلاقي والتطلعات الدنيوية الأخلاقية، أما عصر التنوير فكان النطاق المركزي هو استبدال الأخلاق المحلية والعرفية وكل أشكال الإيمان المتعالي ،بأخلاق نقدية وعقلانية(العلمانية والانسانية ) قدمت كأساس لحضارة كونية، وفي النموذج الإسلامي كان النطاق المركزي هو الشريعة ، شكل فيه القانون أداة وطريقة خاضعة للمنظومة الأخلاقية العامة، وهي المقياس الذي على أساسه يجري تقويم النطاقات الفرعية وخلق مجالات كاللغة وعلومها،والتفسير والمنطق والبلاغة والجدل، والرياضيات والفلك،والمجال الاقتصادي وبقية المجالات كانت كلها خاضعة للشريعة كنطاق مركزي مع وجود الاستثناءات والخروقات والتجاوزات ككل النماذج، لكن القانون الأخلاقي كان هو المهيمن على الدوام،وقد ارتكز على مفهوم الجهاد سيء الصيت حاليا، وكان يعني بذل الجهد لأجل تحقيق الغاية الأخلاقية. 

أما خواص الشكل التي تملكها الدولة الحديثة ولا يمكن قيام الدولة الإسلامية عليها فمنها 

1-تكوين الدولة كتجربة تاريخية محددة ومحلية إلى حد بعيد(وهي ذي أصل ومنشأ أوروبي) لا يعترف بالتجارب السابقة التي يعتبرها أشكال بدائية. 

2-السيادة وميتافيزيقتها، في الدولة الحديثة السيادة للدولة، بينما في الحكم الإسلامي السيادة لله. 

3-احتكار الدولة الحديثة للتشريع وللعنف المشروع، يجعلها حتى العقوبات الإلهية هي التي تقرها وليس العكس، بما أن السيادة لها فلا إله إلا الدولة .

4-الجهاز البيروقراطي العقلاني،يؤدي إلى وجود مجموعات محرومة في النظام الاجتماعي 

5-الهيمنة الثقافية وتسييس الثقافي.

هذه الخصائص لشكل الدولة، لا يمكن لأي دولة نموذجية من الوجود او الاستمرار بدونها، وأي اختفاء او محو أي من الخصائص سيؤدي إلى تغيير بنية الدولة ،وهي خصائص مترابطة ببعضها بنيويا وعضويا واساسا لاستمرار وجود الدولة الحديثة وعملها الطبيعي.  

أما في الفصل الثالث فهو يضرب مثلا على عدم وجود الفصل الحقيقي بين السلطات الثلاث في الدولة الحديثة، مثال الأنظمة البرلمانية التي غالبا يكون السلطة التشريعية والتنفيذية نفس الأشخاص المنتخبين او نفس الحزب، وكذلك السلطة القضائية التي تقوم بتجاوز السلطة التشريعية باختلاق بعض القوانين أو مراجعة قوانين تم سنها من قبل السلطة التشريعية، بينما في الحكم الإسلامي كانت السلطة التشريعية تتمثل بالمفتي والفقهاء  الذين هم من المجتمع وفيه والأكثر عدلا وعلما وتقوى ولا علاقة له بالحاكم وكذلك السلطة القضائية التي صحيح أنه يتم تعيينها أحيانا من الحاكم لكنها لا تخضع له. 

 والفصل الرابع عرض فلسفي للاختلافات النوعية بين المفهوم القانوني للدولة الحديثة والحكم الإسلامي، وكذلك التبايانات القانونية والاخلاقية والسياسية التي تكشف عن عدم التوافق بين الدولة الحديثة والشريعة.

والفصل الخامس يشرح كيف ان الدولة القومية الحديثة والحكم الإسلامي يميلان إلى إنتاج مجالين مختلفين من تكوين الذاتية (رعايا في الدولة الحديثة، ومكلفين في الحكم الإسلامي ) الأمر الذي يولد نوعين مختلفين من التصورات الأخلاقية والسياسية والنفسية والمعرفية والاجتماعية للعالم. 

وفي الفصل السادس يفترض جدلا، ان نمطا من الحكم الإسلامي قد يأتي للوجود رغم كل الفرص الضعيفة والمعوقات القوية، ويحاجج ان الأشكال الحديثة للعولمة ووضع الدولة في هذه الأشكال المتعاظمة القوة يكفيان لجعل اي صورة من الحكم الإسلامي اما امرا مستحيل التحقق، أو غير قابل للاستمرار على المدى البعيد. 

أما في الفصل السابع والأخير، يشرح المآزق الأخلاقية الحديثة التي تواجهها الحداثة في كل صورها الشرقية والغربية التي أنتجت بيئة أخلاقية غير مواتية للحكم الإسلامي وكذلك تسببت بمشكلات أخرى مثل الانهيار المطرد للوحدات الإجتماعية العضوية،والانماط الاستبداية، والدمار الشامل للمصادر الطبيعية والبيئة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الإنسان والبحث عن المعنى | فيكتور فرانكل

فن الحرب | سون تزو

الكف والعرض والقلق | سيجمند فرويد