الحداثة السائلة | زيجمونت باومان

الحداثة السائلة

تأليف: زيجمونت باومان 

ترجمة: حجاج أبو جبر 
عرض: محمد فتاح السامعي 
تنسيق: محمد طاهر الهمداني

هذا الكتاب اول الكتب من سلسلة باومان عن السيولة "،الحداثة السائلة" وله كتب أخرى ك الحياة السائلة، الحب السائل،الأزمنة السائلة ،الخوف السائل ،الثقافة السائلة، المراقبة السائلة، وكلها تتناول فكرة الميوعة مقابل الصلابة، فالحداثة السائلة تعني الانتقال إلى مرحلة جديدة من الحداثة حيث يطغى منطق الاستهلاك  بمعناه العميق للمكان والقيم والأشياء في ظل عصر العولمة، بعد أن ظلت الحداثة الصلبة لفترة من الزمن تسعى لنفي الغيب والهيمنة على العالم ،وتحديد القواعد، وبناء الدولة، وصناعة القومية الصلبة،والسعي لليقين المادي المبني على زعم القدرة على التحكم،لكن هذه الحداثة الصلبة قد ذابت كلها أثناء الاذابة والتمييع التي قامت بها ولم يبقى سوى الهوس بالإذابة وادمانها ووسواسها القهري الذي أصبح مبدأ النظام الجديد ،في هذا الكتاب سيناقش الكاتب بعض مظاهر الحداثة السائلة وآثارها السلبية من تأثيرها على الحرية، وإلغاء دور المواطن مقابل بروز الفرد، إلى نزوع الفردية وغياب الاستقرار والهم الجماعي .

في الفصل الأول يتحدث الكاتب عن تغير فكرة الحرية والتحرر في عصر ما بعد الحداثة او عصر الحداثة السائلة، فقد كانت غائية التحرر سابقا تستند على مبدأ النظام ونموذج البيت المشترك بما فيه من معايير قائمة على نظم إدارية، وقواعد يعتادها الناس، وتحديدا للواجبات، وفي ذلك البيت تشكلت فكرة النقد، لكن مجتمعنا حاليا يرحب بالنقد وفق نموذج الترحيب والضيافة التي تقدمه ساحة الكارفانات للضيوف، نقد على طريق المستهلك، وليس على طريق المنتج كما كان سابقا، فالمزاج الجماهيري أصبح متقلب، وهناك فقدان شهية للاصلاح الاجتماعي، ورجوع مستمر عن الاهتمام بالمصلحة العامة، والتدني المتواصل للشعبية التي كانت تحظى بها المشاركة السياسية، والاحتفاء الزائد بمبدأ اللذة " وانا أولا "،كل هذا بالإضافة إلى سمتان رئيسيتان تجعلان حداثتنا مختلفة وجديدة 

السمة الأولى: تتمثل بالانهيار التدريجي والتدهور السريع للوهم الذي اتسم به صدر الحداثة، أي انهيار الإيمان بأن ثمة نهاية للطريق الذي نسير فيه ،وغاية كبرى للتغير التاريخي يمكن تحقيقها، وحالة من الكمال يمكن الوصول إليها غدا او العام القادم، أو الألفية القادمة، ومجتمعا عادلا ،وتوازنا بين العرض والطلب، وسيادة كاملة على الطبيعة. 

أما السمة الثانية او التغير الرئيسي الثاني فيتمثل في نزع الضوابط الحاكمة وخضخصة الواجبات والمهام التحديثية ،فما كان بالأمس مهمة يؤديها العقل البشري باعتباره الملكة الجمعية للبشرية، أسند اليوم إلى امتلاك الشجاعة الفردية، وقدرة الاحتمال الفردية، وترك لقدرة الأفراد على تصريف الأمور والموارد، انعكس هذا الانعكاس المصيري في نقل الخطاب السياسي والأخلاقي من إطار المجتمع العادل،إلى إطار حقوق الإنسان، أي إعادة تركيز ذلك الخطاب على حق الناس ان يظلوا مختلفين.

وبعد أن عكفت الحداثة في عهدها الأول على فصل الفرد عن الجماعة، حتى تعيد دمجه في الجماعة مرة أخرى، لكن حاليا لم يعد هناك أفق لإعادة الاندماج، ولن يوجد هذا الأفق في المستقبل، فصيرورة النزعة الفردية الآن كما في الماضي قدر لا اختيار، فالاستقلال والاكتفاء الذاتيان اللذان  ينعم بهما الفرد ،ربما يكونان سرابا آخر، فحسب منطق الحداثة السائلة إذا لم يجد الرجال والنساء من يلومهم على ما يعانوه من متاعب واحباطات في الماضي، فإن بوسعهم ان يتجنبوا الإحباط باستخدام الاداوت الشخصية، أو أن يتغلبوا على المتاعب بقدراتهم الخاصة، أما اذا اصابهم المرض فيعزى ذلك إلى أنهم لم يبذلوا مافي وسعهم من الجد في إتباع النظام الصحي، وإذا ظلوا عاطلين عن العمل فإنما يعزى ذلك إلى كونهم عجزوا عن تعلم مهارات النجاح في المقابلات الشخصية،أو انهم كسالى لا يرغبون بالعمل .

وفي الفصل الثاني يتحدث الكاتب عن الفردية باعتبارها أهم مظاهر الحداثة السائلة، فيقول في ظل الظروف الجديدة أغلب الظن أن جل حياة الإنسان وجل حيوات البشر سيستحوذ عليها القلق عند اختيار الغايات، وليس عند البحث على وسائل الغايات التي لا تستدعي التفكير ،وعلى العكس من الرأسمالية الثقيلة، تتسم الرأسمالية الخفيفة أنها مهووسة بالقيمة فسؤال:ماذا يمكنني ان افعل ؟،حل محل سؤال كيف أفعل ما وسعي؟،  كل هذا وفي ظل غياب السلطة العليا، وحضور سلطات عديدة تتطلع للسيادة، تفتح مسألة الغايات، وهذا بالضرورة يفضي إلى تردد كبير ،وجزع مستمر،وضياع للثقة، وشعور مؤلم ومتواصل بحالة اللايقين المطلق .

 وقد كانت الرأسمالية الثقيلة، عالم التشريع ومصممي الروتين والمشرفين، عالم يتبع فيه المرء غيره ويحقق غايات رسمها غيره بطرق حددها غيره ،أما الرأسمالية الخفيفة ألغت السلطات المعنية بسن القوانين واوجدت سلطات عديدة وسمحت لها أن تتعايش بحيث لا يمكن لواحدة منها ان تظل في السلطة زمنا وحيدا، وأصبح النموذج يتصدر المشهد، ويقبل عليه الناس في الغالب الأعم، والمشاهير أصبح ما يقولوه يستحق الأهتمام حتى قبل أن يتفوهوا به ،بل تحول البحث عن النموذج إلى إدمان ،لذا أصبحت كلها ذاتية التدمير،تدمر كل إمكانية مستقبلية للاشباع والارتواء. 

واصبحت الحياة متمركزة حول الاستهلاك لا الإنتاج، تهتدي بهدي الاغراء ،والرغبات المتزايدة، والأماني المتقلبة على الدوام. 

وفي الفصل الثالث يتحدث الكاتب عن تأثير الحداثة السائلة في المكان والزمان، فيقتبس لريتشارد سينيت وصفه للمدينة باعتبارها  مستوطنة بشرية يلتقي فيها الغرباء ،يظهرون ويختفون مثل الغرباء، ،لا يتشاركون أفراحهم واتراحهم بل يجتمعون وينصرفون من دون ذكريات مشتركة،  فلقاؤهم بالغالب حدث بلا ماض، وعادة بلا مستقبل، وحكاية لا يكتب لها الإستمرار ،حتى الفضاءات العامة تخدم المستهلكين او بالأحرى تحول سكان المدينة الى مستهلكين.

اما في الفصل الرابع ،فيتحدث عن تأثير الحداثة السائلة في العمل ،وكيف أن سياسة فقدان الاستقرار التي يديرها القائمون على أسواق العمل تؤيدها سياسة الحياة، فسياستا العمل المؤقت والحياة كلاهما تلتقي في النتيجة نفسها ،اضمحلال الرابط الإنسانية والمجتمعات الإنسانية والعلاقات الإنسانية، وذبولها وتداعيها ،وتفسخها، فالعهود الماضية "بالا يفرقنا الا الموت " صارت عقودا بصيغة " ما دام الإشباع " وهي عقود عابرة ومؤقتة ،وصارت العلاقات الإنسانية أشياء نستهلكها لا ننتجها، تخضع لمعيار التقييم نفسه التي تخضع له كل الموضوعات الإستهلاكية. 

وفي الفصل الخامس والأخير يتحدث عن غياب مفهوم الدولة والأمة ،وأصبح الأمل ضعيف في إنقاذ خدمات الأمن واليقين التي كانت توفرها الدولة ،فحرية سياسة الدولة تتاكل على يد قوى العولمة المسلحة باسلحة رهيبة تتمثل في عدم التقيد بالأرض ولا بالمكان ،وسرعة الحركة والقدرة على التهرب، وأصبح سيادة الشركات المتعددة الجنسية محل مبدأ سيادة الأمم والدول.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الإنسان والبحث عن المعنى | فيكتور فرانكل

فن الحرب | سون تزو

الكف والعرض والقلق | سيجمند فرويد