هكذا تكلم زرادشت | نيتشه

هكذا تكلم زرادشت 

للفيلسوف الألماني نيتشه 
عرض : محمد فتاح السامعي 
تنسيق: محمد طاهر الهمداني

هذا الكتاب يسرد فيه نيتشه تعاليم محددة بلسان زرادشت ،رجل الدين الفارسي، وهذه التعاليم التي يلقيها على مريديه أو اخوته في الحرب كما يدعيهم ،ستقودهم لتحقيق الإنسان الأعلى، وهي الفكرة المحورية في الكثير من كتبه ،فالإنسان الأعلى(السوبر هيومان ) يتحقق اولا بموت الإله، ثم الإيمان بإرادة القوة، إلى تجاوز الذات،وهذا الكتاب وغيره من كتب نيتشه التي تتمحور حول فكرة الإنسان الأعلى او المتفوق يعتبره الكثيرين الأساس الفلسفي لنشوء حركات النازية والفاشية وكذلك عنصرية العرق الأبيض المتصاعدة أخيرا، ورغم أن الكتاب طويل ويحتاج إلى مجهود ضخم لتلخيصه، سأحاول إيراد بعض الأفكار الرئيسية التي أراد بها نيتشه تحقيق الإنسان الأعلى في هذا الكتاب،

- موت الإله: 

يبدأ نيتشه (زرادشت ) الإعلان عن موت الإله كمقدمة لتعليم الشعب الإنسان الأعلى ،فالإنسان شيء لابد من تجاوزه،

فالاله الذي مات او بالأحرى الذي قتلناه كما يقول نيتشه، يقصد به انتهاء السلطة الدينية ،واقلاع الإنسان على الإعتماد على القوى الغيبية(الاله) في تفسير الكون وتحوله نحو النظريات العلمية ،وكذلك الإقلاع عن اتخاذه  كمصدر ومرجعية للاخلاق وذلك ما أحدثه عصر التنوير. 

يقول نيتشه " قفز المجنون إلى وسطهم واخترقهم بنظراتٍ من عينيه. أين الإله؟ صاح فيهم: أنا سأخبركم! لقد قتلناه – أنتم وأنا! نحن جميعًا قتلة. مات الإله! ويظل الإله ميتًا! ونحن من قتلناه! كيف يمكننا أن نعزي أنفسنا، نحن أكبر القتلة؟ إن أقدس وأعظم ما امتلكه العالم قد نزف دمه حتى الموت بطعنات مُدانا: من سيمسح هذه الدماء عن أيدينا؟ أي ماء سيطهرنا؟ أية مراسمٍ تكفيرية، أية ألعابٍ مقدسةٍ يجب علينا أن نبتكر؟ أليس عِظَم هذه الفعلة شيئًا يفوق طاقتنا؟ ألا يجب علينا أن نصير نحن أنفسنا آلهة لمجرد أن نبدو جديرين بهذه الفعلة؟.

وتعبير عن انتقال سلطة السماء(الإله ) إلى الأرض (الإنسان ) يقول نيتشه" الإنسان الأعلى كنه الأرض، اناشدكم ان تكونوا أوفياء للارض يا اخوتي، لقد مضى زمان كان فيه الإثم تجاه الله أكبر الاثام، لكن الله مات، وبهذا ايضا مات كل اولئك الاثمين " 

التحولات الثلاثة لصنع الإنسان الأعلى 

يذكر نيتشه ثلاث تحولات للعقل 

الأولى: تحول العقل إلى جمل ،

وهي تعبيرا عن الإنسان المقتنع والمتصالح مع مجتمعه وقيمه السائدة، والجمل إشارة إلى الصبر والتحمل ،يقول نيتشه: ما الثقيل ؟ هكذا يسأل العقل المكابد، وهكذا يجثو على ركبيته مثل الجمل ،ويطلب حملا جيدا. 

 الثانية: تحول العقل إلى أسد 

حينما يبدأ العقل يريد انتزاع الحرية، ويرفض بقاءه جمل في الصحراء بل يريد أن يصبح سيدا على صحراءه، وهو تعبيرا عن الرفض والتمرد، يقول نيتشه: هنا يبحث عن آخر اسياده، عدوا يريد أن يصير لآخر اسياده، ولاخر الهته، ومن أجل النصر يريد الاشتباك مع أعظم تنين"ويرمز بهذا إلى الانعتاق من سلطة الوجوب الخارجية. 

لكن الأسد لا يستطيع خلق قيم جديدة، فحسب نيتشه:اما اكتساب الحرية من أجل إبداع جديد، فذلك ما تقدر عليه قوة الأسد ،لذلك يأتي التحول الثالث. 

الثالثة: تحول العقل إلى طفل 

إشارة إلى البدء من جديد ،استخدم نيتشه الطفل نموذجا، فيقول:ما الذي يقدر عليه الطفل مما لا يقدر عليه حتى الأسد، براءة هو الطفل ونسيان،بدء جديد، لعب،دولاب يدفع نفسه بنفسه.وهذه المرحلة هي آخر مرحلة عقلية لتحقيق الإنسان الأعلى، خلق قيم جديدة. 

- يمجد زرادشت قدسية الجسد وبالأخص الجسد المعافى، بل يجعله هو الأساس، وهو يخالف بذلك المنهج القديم المقدس للروح بيقول :استمعوا إلى صوت الجسد المعافى ،إنه الصوت الأكثر صدقا،والأكثر نقاءا انه يتكلم بمعنى الأرض ، ثم يدعو لصناعة فضائل أرضية جديدة وقيم كقيمة الصدق التي هي مقابلة للورع والتقوى وحب الخير،يقول ايضا : شيئا جديدا يريد النبيل ان يبدع وفضيلة جديدة، بينما الإنسان الصالح يريد القديم وأن يظل القديم مصانا. 

-يدعو في اغلب تعاليمه اما للعزلة عن الرعاع أو الحرب والانتصار لأجل القيم الجديدة، فيقول مثلا:لقد حققت الحرب والشجاعة من الأعمال العظمى أكثر مما فعلت محبة القريب، إذ بسالتكم وليس شفقتكم، هي التي ظلت تنقذ الضحايا حتى الآن، افظاظا غليظي القلب يدعوكم الناس ،لكن قلبكم صادق، وعندما تصبح نفسكم عظيمة فإنها ستغدو مغرورة. 

أما دعوته للعزلة فهي ليست عزلة الناسك والزاهد ،بل عزلة لاختلاق فضيلة جديدة ،فيقول : الشعب لا يفهم كثيرا ما هو عظيم ،أي ماهو مبدع، لكنه يملك حسا لكل المستعرضين والممثلين، لكن العالم يتوقف مسيرته على مبدعي القيم الجديدة، بطريقة لا مرئية يدور العالم حولهم، فلتكن بلا غيرة تجاه هؤلاء الرعاع والمستحثين يا محب الحقيقة، فر إلى وحدتك، بعيدا عن الأسواق والامجاد كان دوما موطن مبتكري القيم الجديدة. 

-يؤكد على حب الذات، وينكر الشفقة على الصديق والقريب،يقول: أسمى من محبة القريب هي محبة البعيد والمستقبلي،وأسمى من حب الإنسان هي حب الأشياء والاشباح، وحيدا تمضي على طريق المبدع، إلها تريد أن تصنع لنفسك، وحيدا تمضي على طريق المحب ،نفسك تحب،لذلك تحتقر نفسك كما لا يمكن الا لمحب ان يحتقر. 

- فيما يخص رأيه بالمرأة يقول ينبغي أن يربى الرجل للحرب، والمرأة لاستراحة المحارب، وما عدا ذلك حمق. 

وهو يرفض الزواج والانجاب المبني على الطمأنينة البائسة كما يصفها والقذارة الروحية ويقول: زواجا اسمي إرادة اثنين لخلق الواحد الذي يتجاوزهما، اريد ان تكون حريتك ونصرك هي التي تتوق الى الولد ،معالم حية ينبغي أن تشيد لانتصارك وتحررك،وكذلك بالنسبة للموت فليكن موتا في الوقت المناسب،من كان لديه غاية ووريث، سيريد موته في الوقت المناسب لغايته ووريثه. 

-يدعو إلى الأنانية الصحية والمقدسة،وهي التي تجعل صاحبها ناهبا يستحوذ على كل القيم،  وليست أنانية فقيرة وجائعة تتوق دوما إلى السرقة .

- يضع مفهوم إرادة القوة المناقضة لإرادة المساواة  التي يهجيها ويعتبرها انها صورة للاستبداد ،فيقول ايها الداعون إلى المساواة إن الجنون الغاشم للعجز هو الذي يصرخ من خلالكم مطالبا بالمساواة هكذا تتنكر رغبات الاستبداد في دواخلكم خفاء تحت عبارات الفضيلة. 

أما إرادة القوة يعتبرها محرك الحياة والدافع الداخلي للتطور عبر التناقض  وصراع القوى المتفاوتة.فهو يقول عنها في كتاب آخر:  هذا المفهوم الظافر للقوة الذي خلق بفضله فيزيائيونا الله والكون ،يحتاج إلى مكمل ،يجب أن نسند اليه إرادة داخلية ،سوف اسميها إرادة القوة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فن الحرب | سون تزو

فن العيش الحكيم | شوبنهاور

الإنسان والبحث عن المعنى | فيكتور فرانكل